سورة غافر - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


{وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32)}
{لّلْعِبَادِ وياقوم إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التناد} خفهم بالعذاب الأخروي بعد تخويفهم بالعذاب الدنيوي، والتناد مصدر تنادي القوم أي نادي بعضهم بعضًا، ويوم التناد يوم القيامة سمي بذلك لأنه ينادي فيه بعضهم بعضًا للاستغاثة أو يتصايحون فيه بالويل والثبور أو لتنادي أهل الجنة وأهل النار كما حكي في سورة الأعراف أو لأن الخلق ينادون إلى المحشر أو لنداء المؤمن {هَاؤُمُ اقرؤا كتابيه} [الحاقة: 19] والكافر {لَيْتَنِى لَمْ أُوتَ كتابيه} [الحاقة: 25]
وعن ابن عباس أن هذا التنادي هو التنادي الذي يكون بين الناس عند النفخ في الصور ونفخة الفزع في الدنيا وأنهم يفرون على وجوههم للفزع الذي نالهم وينادي بعضهم بعضًا، وروي هذا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عطية: يحتمل أن يراد التذكير بكل نداء في القيامة فيه مشقة على الكفار والعصاة.
وقرأت فرقة {التناد} بسكون الدال في الوصل إجراء له مجرى الوقف. وقرأ ابن عباس. والضحاك. وأبو صالح. والكلبى. والزعفراني. وابن مقسم {التناد} بتشديد الدال من ند البعير إذا هرب أي يوم الهرب والفرار لقوله تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ} [عيسى: 34] الآية، وفي الحديث: «إن للناس جولة يوم القيامة يندون يظنون أنهم يجدون مهربًا».
وقيل: المراد به يوم الاجتماع من ندا إذا اجتمع ومنه النادي.


{يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)}
{يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} بدل من {يوم التناد} [غافر: 32] أي يوم تولون عن الموقف منصرفين عنه إلى النار، وقيل: فارين من النار، فقد روي أنهم إذا سمعوا زفير النار هربوا فلا يأتون قطرًا من الأقطار إلا وجدوا ملائكة صفوفًا فلا ينفعهم الهرب، ورجح هذا القول بأنه أتم فائدة وأظهر ارتباطًا بقوله تعالى: {مَا لَكُمْ مّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ} أي يعصمكم في فراركم حتى لا تعذبوا في النار قاله السدى، وقال قتادة: أي ما لكم في الانطلاق إلى النار من مانع يمنعكم منها أو ناصر، وهذا ما يقال على المعنى الأول ليوم تولون مديرين وأيا ما كان فالجملة حال أخرى من ضمير {تُوَلُّونَ}.
{وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} يهديه إلى طريق النجاه أصلا، وكأن الرجل يئس من قبولهم نصحه فقال ذلك ثم وبخهم على تكذيب الرسل السالفين فقال:


{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34)}
{وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ} بن يعقوب عليهما السلام {مِن قَبْلُ} أي من قبل موسى {بالبينات} الأمور الظاهرة الدالة على صدقه {فَمَا زِلْتُمْ فِى شَكّ مّمَّا جَاءكُمْ بِهِ} من الدين {حتى إِذَا هَلَكَ} بالموت {قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولًا} غاية لقوله: {فَمَا زِلْتُمْ} وأرادوا بقولهم: {لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولًا} تكذيب رسالته ورسالة غيره أي لا رسول فيبعث فهم بعد الشك بتوا بهذا التكذيب ويكون ذلك ترقيا.
ويجوز أن يكون الشك في رسالته على حاله وبتهم إنما هو بتكذيب رسالة غيره من بعده، وقيل: يحتمل أن يكونوا أظهروا الشك في حياته حسدًا وعنادًا علما مات عليه السلام أقروا بها وانكروا أن يبعث الله تعالى من بعده رسولا وهو خلاف الظاهر، ومجىء يوسف بن يعقوب عليهما السلام المخاطبين بالبينات قيل: من باب نسبة أحوال الآباء إلى الأولاد وكذلك نسبة الأفعال الباقية إليهم، وجوز كون بعض الذين جاءهم يوسف عليه السلام حقيقة حيا؛ ففي بعض التواريخ ان وفاة يوسف عليه السلام قبل مولد موسى عليه السلام بأربعين وستين سنة فيكون من نسبة حال البعض إلى الكل، واستظهر في البحر أن فرعون يوسف عليه السلام هو فرعون موسى عليه السلام، وذكر عن أشهب عن مالك أنه بلغه أنه عمر اربعمائة وأربعين سنة، والذي ذكره أغلب المؤرخين أن فرعون موسى اسمه الريان وفرعون يوسف اسمه الوليد.
وذكر القرطبي أن فرعون الأول من العمالقة وهذا قبطي، وفرعون يوسف عليه السلام مات في زمنه، واختار القول بتغايرهما، وأمر المجيء وما معه من الأفعال على ما سمعت، وقيل: المراد بيوسف المذكور هو يوسف بن إبراهيم بن يوسف الصديق أرسله الله تعالى نبينا فأقام فيهم عشرين سنة وكان من أمرهم ما قص الله عز وجل: ومن الغريب جدًا ما حكاه النقاش. والماوردي أن يوسف المذكور في هذه السورة من الجن بعثه الله تعالى رسولًا إليهم، نقله الجلال السيوطي في الاتقان ولا يقبله من له أدنى إتقان. نعم القول بأن للجن نبيًا منهم اسمه يوسف أيضًا مما عسى أن يقبل كما لا يهفى.
وقرىء {أَلَّن يَبْعَثَ} بادخال عمزة الاستفهام على حرف النفي كأن بعضهم يقرر بعضًا على نفي البعثة.
{كذلك} أي مثل ذلك الاضلال الفظيع {يُضِلُّ الله مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} في العصيان {مُّرْتَابٌ} في دينه شاك فيما تشهد به البينات لغلبة الوهم والانهماك في التقليد.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14